عالم خيالي ساحر بين المانغا والأنيمي
فنون تكسب اليابان أرباحا هائلة وسمعة طيبة حول العالم
المانغا والأنيمي وجهان لفن واحد يتخذ من السرد والرسم وسيلته للوصول إلى قلوب القراء والمشاهدين. ورغم الاختلاف الكبير في تقنيات ووسائط كل منهما إلا أن النتيجة تأتي غالبا على شكل قصة ممتعة أخرى تنسينا أي خلاف بين المصطلحين.
صنفت الفنون منذ القدم بوصفها أنشطة إنسانية مختلفة عن العلوم والحرف التي يطغى فيها الجانب النفعي على الجانب الجمالي. وعبر الزمن تمايزت هذه التصنيفات إلى 8 فنون هي العمارة والرسم والأدب والموسيقى والرقص والمسرح والسينما والإعلام. ومع ولادة فن القصص المصورة والرسوم المتحركة من تزاوج أدب السرد بفن الرسم، وانتشاره حول العالم بشكل كبير سواء في شكله الشرقي (المانجا اليابانية) أو شكله الغربي (الكومكس الأمريكي) وتفرع أنواعه وتعدد منتجيه، فرض نفسه كتصنيف فني مستقل ليحظى بلقب جميل يليق به: الفن التاسع.
كان للإرث الثقافي الياباني العريق والمتنوع (بين عصور النينجا والساموراي والحقب الإقطاعية والتنويرية للإمبراطورية) أثر واضح على فنون السرد والرسم بالبلاد مازال ممتدا إلى اليوم، وبفضل ما يعرف من ميل لليابانيين إلى ما يمكن تسميته بالتواصل البصري (حتى لغتهم (خاصة رموز الكانجي) تعود حروفها إلى أصول مرسومة بسطت دون أن تفقد شبهها بما تحيل إليه من أشياء ومعاني) وما جلبته تجربة الانفتاح الثقافي بعد الحرب العالمية، صيغت أسس فن المانغا لتنطلق منذ منتصف أربعينات القرن 20 مثل تسونامي ممتع يجتاح العالم بأكمله.
في الواقع، كانت الشعلة التي أوقدت حماسة فناني الرسم الأوائل وشجعتهم على اقتحام عالم القصص المرسومة هي سلسلة طريفة بعنوان مغامرات شوتشان Sho chan no Boken نشرتها مطبعة شوغاكوكان عام 1923 لكاتبها شوساي أودا وراسمها كاتسوتشي كاباشيما. لكن البداية (الرسمية) للمانغا تنسب إلى الأب الروحي أوسامو تيزوكا بعمليه الرائدين الليث الأبيض والفتى أسترو. ففي عصره الذهبي أصبحت المانغا فنا مختلفا عن رسم كتب الأطفال أو كاريكاتير الجرائد وأضحت لها معايير دقيقة وأركان ثابتة وشروط واضحة ينبغي توفرها ليس في قصصها وشخصياتها فحسب، بل حتى في أوراق وأقلام الرسم المستخدمة لإنتاجها.
تعرف المانغا اليوم بأنها قصص (نفضل تسميتها روايات لكون السرد المطول أحد أهم أسسها) مرسومة (بالأبيض والأسود) يكتبها ويرسمها فنان يسمى (مانغاكا) أو يتشارك فيها كاتب ورسام (أو أكثر) تصدرها شركة ناشرة للكتب (ورقيا أو إلكترونيا) على شكل فصول متسلسلة على صفحات مجلة أسبوعية أو شهرية أو دورية. وحين تنتهي القصة تجمع الفصول من جديد في مجلدات سميكة تسمى Tankōbon.
تسعى أستوديوهات الرسوم المتحركة دائما إلى شراء حقوق روايات المانغا التي تحظى بإقبال كبير من القراء واقتباس قصصها في مسلسلات أنيمي توجه للبث الشبكي التلفزيوني أو المنزلي (OVA / DVD) أو على شكل أفلام لشاشة السينما. ولطالما ساهم القطاعان (المانغا) و(الأنيمي) في تنمية بعضهما وفتح فرص جديدة للعاملين بهما. غير أن شركات الأنيمي وعبر تاريخها الطويل الممتد منذ الخمسينات، لم تحصر نفسها في موقع التابع لشركات المانغا، بل كانت دائما تجد مصادر أخرى لاستلهام القصص التي ترغب في تحريكها، إما في روائع الأدب العالمي المنشورة على شكل روايات أو قصص للأطفال، أو في سيناريوهات تكتب تحت الطلب.
وأيا كان الوضع، بقصص مرسومة أو متحركة، وسط مجلات الورق أو على شاشات التلفزيون، فلا أحد يجادل بأن هذا الفن الجميل اكتسح العالم بشكل غير مسبوق وأكسب اليابان محبة كبيرة في قلوب كل عشاق المانغا والأنيمي حول العالم، وهو مربح أهم بكثير من كل تلك الملايين التي تضخها إيرادات النشر والتصدير وترخيص التوزيع الخارجي في خزينة بلاد الشمس المشرقة.