جين ويبستر : الغريبة التي لا تتكلم لغة هذا العالم

أحبت يتيمات الملجئ وأهدتهن بطولة أفضل رواياتها

STUDIO NIPPON ©

ليس غريبا في عالم الرواية أن تطغى جاذبية الشخصية المتخيلة على شهرة مؤلفها الحقيقي، بل يكون هذا في الغالب دليلا على أصالة الفكرة وتشويق القصة. فإذا كنا لا نعرف جين ويبستر ولا نتذكر جودي أبوت فمن منا ينسى صاحب الظل الطويل؟

لم يكن مسلسل أنيمي (Daddy Long Legs) الذي أنتج وعرض بداية التسعينات من تلك المسلسلات التي تدفعك لمغادرة المدرسة ركضا كل مساء قصد بلوغ البيت قبل أن تنتهي شارة البداية، لكنه كان من النوع الذي لا يفارق الذاكرة أبدا، ولن يمكنك إدراك السبب إلا بقرائة قصته الأصلية التي أبدعتها الكاتبة الأمريكية جين ويبستر بأسلوب أنيق يعجز أي اقتباس. ومن المؤسف أننا انتظرنا ما يزيد عن قرن من الزمان قبل أن نرى أول طبعة عربية لهذه الرواية. (مقدمة من دار الرافدين للنشر ببيروت من ترجمة وإعداد بثينة الإبراهيم).

قد يكون للانتساب إلى عائلة لامعة عيوبه البينة. ويكمن أحدها في صعوبة فوز المرء بالاهتمام بمعزل عن أهمية الاسم البارز لأسلافه. وقد حظيت جين ويبستر بامتياز الانتماء لأسرة معروفة لكنها شعرت على الدوام أن هذا الإرث الثقيل يقف في طريق تحقيقها لنجاحاتها الخاصة. كانت أمها (آني كليمنس) ابنة أخت الكاتب الشهير (مارك توين) وأبوها (تشارلز لوثر) شريكا في دار نشر كبرى. ولأنها ولدت في مناخ أدبي كهذا وترعرعت فيه فقد كان من الطبيعي أن تتمتع بموهبة في سرد القصص.

ولدت جين في فريدونيا بنيويورك عام (1876) وقضت فيها سنواتها الدراسية الأولى. كان اسمها الحقيقي (أليس جاين تشاندلر ويبستر) وحين دخلت الكلية وجدت أن اسم شريكتها في السكن هو أليس أيضا، فطلب منها أن تكتفي باسمها الثاني، وبما أنه يبدو من النوع العتيق فقد رأت أن تعدله قليلا ليصبح (جين) وعرفت به منذئذ. وهناك في كلية أفاسار أثبتت جدارتها بوصفها طالبة متميزة فحصلت على شهادتها في 1901 بعد أن درست الاقتصاد واللغة الإنجليزية. تعلمت مبكرا أن تكتب بجودة وسلاسة، وكانت لها طريقتها الخاصة في (الإملاء) فحين سألتها إحدى المدرسات منزعجة «بأي حق تكتبين الكلمات هكذا؟» أجابتها «بحق ويبستر».

بدأت جين مسيرتها الأدبية كمراسلة لصحيفة محلية، وكان عملها يقودها لزيارة عدد من مؤسسات الأطفال المعوزين والجانحين وهي الزيارات التي أثرت في روحها كثيرا ووجهت خيالها في الكتابة. وقد شط بها التخيل بعيدا ذات مرة حين كانت تكتب لإحدى الصحف فنقلت معلومات غير صحيحة بدعابة كادت أن تكلفها وظيفتها. ومع ذلك ظل هذا الحس الكوميدي المتأصل فيها يتخلل كل كتاباتها ويمنحها نكهة في غاية التميز، منذ أن نشرت سلسلتها القصصية الأولى (حين دخلت باتي الكلية) والتي نجحت بشكل سريع منح فتاة ويبستر ثقة كاملة في اختيار طريقها وأسلوبها ككاتبة مستقلة بعد التخرج.

كانت حيوية لا تعرف الكلل، وقد جاء نجاحها من مثابرتها على العمل بقدر ما نبع من سحر أفكارها وموهبتها الأصيلة. إذ كانت تقضي وقتا طويلا في كتابة قصصها بكامل التفاصيل ثم تعود لمراجعتها واختصارها إلى المقاس المناسب. لقد كانت كما وصفها أحد نقاد تلك الفترة «عقلانية مفعمة بالأمل وتوحي أعمالها الأدبية دوما بأنها بسيطة وأنيقة حيث كانت تعيش التجربة وتكتب بإفراط وتنقح بلا هوادة».

تركت جين ويبستر أعمالا أدبية عدة منها (حين دخلت باتي الكلية) و(جيري الصغير) و(عدوي اللدود) غير أن الرواية التي منحتها صفة العالمية كانت هي (صاحب الظل الطويل) التي استلهمتها من حبها للأطفال واهتمامها بتحسين ظروف الحياة في ملاجئ الأيتام. وقد كتبتها على شكل رسائل يومية تبعثها الفتاة اليتيمة (جيروشا أبوت) إلى الوصي المجهول الذي تكلف بمصاريف دراستها في الكلية. ولأنها لم تر منه يوم لاحقته للتعرف إليه غير ظل ذي ساقين طويلتين، فقد سمته Daddy Long Legs وهو لقب لطيف يطلق على نوع من العناكب المنزلية طويلة القوائم. وقد ظل كذلك في نظرها إلى آخر صفحة في الرواية حين اكتشفت حقيقته التي لا تكاد تخطر على بال.