People will say there are a million ways to shoot a scene, but I don’t think so, I think there’re two maybe, and the other one is wrong. (David Fincher)
بحديثنا السابق عن أنواع الشخصيات في الدرس الرابع من ورشة تعليم كتابة السيناريو كنا قد وضعنا أقدامنا في النهر لخوض تجربة الكتابة الدرامية. والآن فقط تبدأ دروس السباحة، فإما أن تغرق وإما أن تنجح في بلوغ الضفة الأخرى.
يعتبر الوصف والحوار بمثابة الركيزتين اللتين تقوم عليهما خيمة الكتابة السردية، فلا قصة تسمى قصة بدونهما. وإذا كان الوصف (وصف الأحداث والأفكار) من مسؤوليتك كمؤلف، فإن الحوار يرتبط بشخصياتك أكثر منك وإن كتبته بيدك. فالصفات التي منحتها لهم منذ البداية تتضمن تصريحا أو تلميحا للأسلوب الذي تتحدث به كل شخصية، فمنها النزق المتسرع والهادئ الحكيم ومنها الذي يصرخ بتكبر والتي تهمس بخجل. لا يمكنك أبدا أن تنطق شخصياتك بنفس النبرة، فالمحامي الذي يستخدم مفردات قانونية ليس مثل بائع الخضر القادم من قرية في الجبل واللغة الخشبية التي تسمع في نادي للمثقفين تختلف عن تلك العاطفية التي تتردد في ملجئ للفتيات. الإقناع هو كلمة السر هنا، فلا تسمح لشخصياتك أن تورطك مع مشاهديك أو قرائك عندما تتحدث بطريقة غير واقعية.
ولكي يحدث هذا التناسق المبدع بين السرد والحوار لا بديل للمؤلف عن تقمص أدوار شخصياته جميعها، أن يشرد بخياله ليتشرب المشهد بكامل تفاصيله زمانا ومكانا وأحاسيس، ويسأل نفسه (ما الذي سأفعله لو كنت مكان هذه الشخصية؟) وقد تأتي الأجوبة متعددة الخيارات حسب طبيعة الشخصية وصفاتها وحسب ما يخطط له الكاتب من أحداث قادمة ومنعطفات مفاجئة. ولكن في جميع الحالات ينبغي أن تكون منطقية.
والمنطق الذي نتحدث عنه في عالم القصص والأفلام (Fiction Works) لا علاقة به بالمنطق العام في حياتنا. فقد تنزعج جدتك الطيبة يوما إن وجدتك تشاهد فيلم (zootopia) وتخبرك أن (الأرانب لا تتكلم ولا تنضم إلى أكاديمية الشرطة والأهم من هذا أنها يستحيل أن تربط علاقات مع الثعالب). ربما في حياتك يا جدتي، أما في عالمنا الخيالي فهي تفعل ما هو أسوء. ولكن هذا لا ينفي أن للقصص منطقها الداخلي الخاص وهو يرتكز على المعادلة البسيطة (سبب ـ نتيجة) فما إن تشرع في كتابة قصتك، حتى يكون عليك أن تبرر سبب كل مشهد (لماذا حدث هذا؟) ونتيجته (وإلى ماذا سيؤدي؟) عموما يبدو الأمر سهلا ولكن في الواقع حتى كبار الكتاب والمخرجين قد يقعون ضحية خطأ منطقي في بعض أعمالهم المميزة. لنأخذ مثالا من فيلم نرى خلال مشاهده الأولى مجرما يقتحم بيت فتاة ويحتجزها رهينة، وخوفا من أن تغافله وتتصل بالنجدة سألها عن خطوط الهاتف فأخبرته أن الشركة لم توصلها بعد. تمر الأحداث وتطول حتى المشهد الأخير حين تحاصره الشرطة وتشرع في مفاوضات معه لتسليم نفسه عن طريق الاتصال به عبر هاتف البيت!! مهلا مهلا ألم تكن الخطوط معطلة من قبل؟
الصدف جميلة وتعطي الكثير من الحلول، لكن يجب الابتعاد عنها ما أمكن أثناء الكتابة لأنها من مدمرات المنطق الداخلي، فلا معنى مثلا لعبارة مثل (وفجأة ظهر كروكودايل وأنقذ داي الشجاع من التنين!!) من أين ظهر؟ وكيف؟ ومن أخبره؟ فقبل أن تظهر أي شخصية فجأة يجب الإجابة عن كثير من الأسئلة التي تجعل ظهورها منطقيا وليس صدفة! وهذا بالطبع ينطبق على الأعمال الجادة في بنائها القصصي، أما تلك التي تصنف ضمن المجال الكوميدي فقد لا تخضع لهذا الحكم مثل (نقار الخشب) أو (الفهد الوردي) فهذان المجنونان لا يعرفان شيئا اسمه منطق، لا داخلي ولا خارجي.