نظرة على قصص التحقيق البوليسي في عالم الأنيمي
من نادي الفتيان المحققين إلى كونان المتحري الصغير
في عالم أنيمي لطالما سيطرت عليه أصناف الأكشن ومغامرات الشونيـن، لمعت قصص تركز على التفكير العقلي والحوار بالأدلة أكثر من التحريك الجسدي والقتال بالأسلحة. قصص تتخذ من الألغاز المعقدة مواضيعا، والأذهان المتقدة أبطالا، والتحقيق البوليسي تصنيفا جذابا يسحر عشاق الإثارة والغموض.
تصفح الكتاب والرسامون أرشيف عالم الجرائم، واستلهموا الكثير من إبداعات آرثر دويل وأغاثا كريستي وموريس لوبلان. ثم ما لبثت الإنتاجات الأصلية أن تعددت وتنوعت مبتكرة قصصها الخاصة دونما اقتباس من مصدر سابق. وبينما حافظ القليل منها على أسلوبه الكلاسيكي، خرجت غالبيتها عن حدود ذلك الشريط الأصفر الذي يطوق مسرح الجريمة، لتخلط أحداثها بثيمات أخرى، كالرعب والفنتازيا والتحليل النفسي، وحتى الرومنس والكوميديا.
وإذا كان المحقق البوليسي أو المتحري الخاص في أدب الغرب وسينماه في معظم الأحيان رجلا ناضجا بمواصفات شرلوك هولمز أو هركيول بوارو أو حتى كورموران سترايك (بطل روايات التحري لجي كي رولينغ) فإن أكثر وأشهر أعمال المانغا والأنمي اليابانية فضلت تكليف فتيان في مقتبل العمر بهذه المهمة. لسبب تجاري هو أن أعمال الشونين ظلت على الدوام الصنف الذي يحقق أعلى المبيعات ونسب المشاهدة.
ولكن أيضا، بتأثير أدبي من Edogawa Ranpo (إدغار ألان بـو الياباني) 1894 – 1965 أحد أوائل المؤلفين الذين تركوا بصمة واضحة في روايات التحري في بلاد الشمس المشرقة، منذ أن أبدع فكرة نادي الفتيان المحققين : Shōnen tantei dan كآخر فصل من سلسلة بطله الخيالي المتحري كوغورو أكيتشي.
هكذا، أضحت أعمال المانغا والأنمي التي تندرج تحت هذا التصنيف تمنح بطولتها لشباب يافعين من المدرسة الثانوية، غالبا ما يخفون شخصية المتحري العبقري، وراء قناع الطالب اللطيف أو الكسول العابث. لكن حبكاتها ظلت تتراوح ما بين قضايا بسيطة يغلب عليها طابع الترفيه والمرح، وأخرى يبدو جليا أن كتابها بذلوا الكثير من الجهود وأجروا العديد من الأبحاث، لنسج خيوطها المتشابكة على نحو يعقد مهمة أذكى المحققين في العالم.
فرأينا في كل عقد أعمالا من هذا النوع من قبيل City Hunter و Clamp School Detectives و Ghost in the Shell وTrickster وGosick . عام 1996 اشتهرت سلسلة Kindaichi Case Files بعد نشرها على شكل مانغا واقتباسها في فيلم أنيمي ومسلسل تلفزيوني من 148 حلقة. وقد عرفت بجرائم معقدة من ذلك النوع الذي يبدو للوهلة الأولى عصيا على الحل، إلى أن يتدخل الفتى هاجيمي كيدايتشي (17 سنة ـ طالب الثانوية الذي ورث موهبته الكامنة في التحقيق من جده المتحري الشهير) ليفاجئ الجميع بتفسير منطقي مقنع.
كما قوبلت سلسلة هيـوكا Hyouka عن رواية أدبية من تأليف Honobu Yonezawa طبع منها 2.05 مليون نسخة إلى حدود اليوم بمتابعة جيدة، حين تم اقتباسها في مانغا وأنمي عام 2012 وتروي قصة الفتى هوتارو أوريكي الذي ينضم تحت إلحاح أخته إلى نادي الأدب الكلاسيكي في الثانوية، فيبدآن معا في حل مجموعة من الألغاز الغامضة.
وبأسلوب أكثر حداثة، حاول مسلسل Psycho-Pass (2012) وضع حد للجريمة في مهدها النفسي، حيث تدور أحداثه في يابان المستقبل التي أصبحت أكثر بلدان العالم أمانا، بفضل نظام تحليل تكنولوجي يستطيع مراقبة درجة الميل لارتكاب جريمة في أذهان المواطنين، ويعطي الإذن لأفراد الشرطة الخاصة بالتدخل في الوقت المناسب، لحماية الضحايا والإطاحة بالمجرمين.
وبينما تربع المحقق كونان على عرش التحقيق البوليسي الأنيمي بلا منازع، اكتسبت أعمال أخرى من الصنف نفسه ـ لكنها تستهدف فئة أكبر وأنضج من الجماهير ـ شعبية قل نظيرها في عالم الأنيمي. كما في مذكرة الموت Death Note التي تشارك في إبداع قصتها المؤلف Tsugumi Ohba والرسام Takeshi Obata (من إنتاج 2006). وبرغم أنها جاءت قصيرة مقارنة بأساطير الأنيمي (12 مجلد مانغا و37 حلقة أنيمي) إلا أن أجواء الغموض والمطاردة والصراع الذهني بين بطليها (L) ولايت ياغامي منحتها شهرة واسعة في العالم أجمع، حتى وصفها عشاقها بأعظم سلسلة أنيمي في التاريخ.