كل مجتمع بشري يحتاج إلى حاكم عادل. وكل غابة مطيرة تحتاج إلى ليث أبيض، يردع الظالم ويجير المظلوم ويعيد الأمور إلى نصابها حين تخرج عن السيطرة.
مازالت هذه القصة تخلط حسابات المشاهدين ـ من الجيل الجديد ـ لذا دعونا نضع النقاط على الحروف قبل البداية. نحن نتحدث هنا عن الجزء الثالث من مسلسل (الليث الأبيض) الذي ألف قصته ورسم شخصياته وأخرجه وأنتجه الأب الروحي لفن الأنيمي الياباني: أوسامو تيزوكا عام 1966، وعنوانه الأصلي: (ليو إمبراطور الغابة الجديد) أو (كيمبا) كما اشتهر في النسخة الإنجليزية.
ولد كيمبا (أو ليث كما هو في نسختنا العربية) على متن سفينة بشرية كانت على وشك الغرق، فسبح إلى غابة في مكان ما من أرض أفريقيا. حيث تزوج لبوة فاتنة تدعى ليا. وأنجبا معا شبلين جميلين سمياهما وردا ووردة.
يحيط بليث فريق من الأصدقاء، أشهرهم وعل خواف وببغاء ثرثار وقرد نسناس يقال إنه حكيم، لكننا للأمانة وعلى مدار 26 حلقة لم نسمع منه إلا الهراء. أصدقاء لا يجلبون غير الأخبار السيئة والمشاكل العويصة، ليرموها أمام (ليث) ويتركوه غارقا في محاولة حلها. ينجح حينا ويفشل آخر، ولكنه يبذل كل ما في جهده كي يكون ملك غابة يحكم بالعدل والإحسان. وهو الذي ورث عن والديه الراحلين، حلم تأسيس موطن آمن للحيوانات، لعله يحميها من جشع القناصين.
لا السهام تنال منه ولا الرماح ولا حتى رصاص البنادق. فإن وقع في فخ محكم، تخلص منه ببراعة، أو حبس في قفص حديدي حطم قضبانه بسهولة. ويبدو أن حسن الحظ هذا، يلازم خصومه أيضا، فقد تنقلب بهم سيارة أو تهوي طائرة أو يسقطون في شلال عميق أو يطاردهم فهد جائع. لكنهم ينجون دائما بأعجوبة، ويعودون لمطاردة الليث الأبيض دون أن يتعلموا من أخطائهم. ولابأس في ذلك، فنحن نحتاج إليهم في الحلقة التالية.
هكذا قضى (ليث) نصف المسلسل في الركض. فلا تراه إلا مسرعا نحو السهول لفض نزاع تأجج بين القردة العملاقة. أو متوجها صوب الجبال لتلقين الضباع اللئيمة درسا لن تنساه. وما إن يرتاح قليلا، حتى يهب لإقناع نمر متوحش أو زرافة مزعجة بأن الحوار يحل المشاكل، وأن الغابة يجب أن تبقى ملاذا للجميع. أسد تمرد على قانون الغاب، فلم نره في حلقة واحدة يأكل لحما، لكنه دائما في لياقة بدنية عالية. رسم حلمه الأفلاطوني وواجه البشر من أجل تنفيذه، مؤسسا غابة مثالية تعيش فيها حيوانات مسالمة تحترم القانون ولا يبغي بعضها على بعض. غابة ترى بين أشجارها قنفذا يحك ظهر خرتيت، وفيلا يساعد زرافة على الشرب، وتمساحا يحمل ظبيا على ظهره ليعبر به البحيرة المليئة بالتماسيح. أما المنطق فذلك شيء مسحه (ليث) من المناهج المدرسية في هذه الغابة.
ولم ينس (ليث) وهو يصنع فردوسه المنشود هذا، أن يمرن صغيره، ويحسن تأديبه وتهذيبه، ويعده للمسؤولية الجسيمة التي سيلقيها على كاهليه حينما يكبر قليلا ويصير أهلا لتسلم ولاية العهد، ومعها بطولة مسلسله الخاص الذي لو كتب له أن ينتج لربما جاء بعنوان (الورد الأبيض).