صدر هذا المقال المتميز بقلم (تاكيوشي أوسامو) في نشرة نيبون (NIPPON) العدد 04/2010 في إطار تحقيق خاص أوردته المجلة بعنوان : اليابان .. المقر العالمي للمانغا ـ منقول بتصرف
في اليابان القديمة نجد شيئا يشبه إلى حد ما ثقافة المانغا التي نعرفها اليوم، ففي تاريخ بعيد يمتد إلى منتصف القرن الثاني عشر، نجد لفيفة مصورة اسمها (تشوجو جينبوتسو جيجا) ومعناها : طيور وحيوانات تلعب دور الإنسان، في نقد ساخر لمجتمع ذلك الحين. وفي النصف الثاني من القرن السابع عشر، ارتفعت شعبية الروايات المصورة على شكل مطبوعات من طراز (إيكوئي) وبعد ذلك بحوالي قرن تقريبا بدأ عدد من الكتاب في رسم رواياتهم، وبذلك صنعوا ما يشبه قصص المانغا في عصرنا الحاضر.
على أن تلك الأعمال القديمة من لفائف مصورة وقصص ذات رسوم لم تكن تضع الصور مرتبة داخل إطارات كما نراها اليوم في كتب المانغا الحقيقية، بمناظرها المتحولة وشخصياتها غير المألوفة التي تتبادل حوارات مكتوبة في دوائر، فهذه المانغا ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر. في ذلك الوقت كان النص يتكون عادة من جمل طويلة تكتب إلى جانب الرسوم، وشيئا فشيئا أصبح الكلام يوضع في دوائر الحوار داخل إطار الصورة. يحملنا الحديث هنا إلى سلسلة (مغامرات شوتشان) وهي عمل كاريكاتوري ظهر في الجرائد في منتصف العشرينات فأثار ضجة كبيرة، وسرعان ما أصبحت كل الجرائد تقريبا تنشر رسوما كاريكاتورية بشكل يومي.
وقد شهدت سنوات الثلاثينات من القرن المنصرم ظهور عدد كبير من كتب المانغا والمجلات التي تحتوي على قصص طويلة مثل (نورا كورو) للفنان تاغاوا سويهو. وخلال الفترة نفسها بدأت كتب الأطفال المرسومة تكتسب خطوطا درامية مثيرة وتبشر بنجاح كبير، ولكن فجأة اندلعت الحرب العالمية الثانية وبدأ الحظر الثقافي فمرت المانغا من فترة معاناة شديدة.
بعد الحرب عادت المانغا أقوى مما كانت، وتوافرت منها أعمال كثيرة. وقد برز من رسامي تلك الفترة الفنان (تيزوكا أوسامو) وكانت رسومه تحمل لمسة سينمائية واضحة. وبفضل حيويته الكبيرة تحولت المانغا بسرعة إلى شكل فني له قصص وروايات خاصة به. وقد دخل صفحات المانغا أيضا عنصر التراجيديا فأدى ذلك إلى جذب المزيد من القراء إليها فاتسعت قاعدتها الجماهيرية.
وقد كانت أعمال تيزوكا مشجعة للكثيرين فاتجهوا إلى ممارسة هذا الفن، وقدم فنانون كثر لقرائهم نوعيات أكثر من قصص المانغا، نذكر منهم (فوجيكو فوجيو) و(أكاتسوكا فوجيو) و(إيشيموري شوتارو) و(ماتسوموتو ريجي). في فترة الستينات ظهر نوع مختلف من المانغا في أوساكا، نوع أكثر دراماتيكية حطم القالب الذي صنعه تيزوكا. وبتأثير من الفنان (سايتو تاكاو) وغيره ركز النوع الجديد على الأعمال الفنية الواقعية والدراما المأخوذة من المجتمع. وقد انضم فنانون آخرون لهذه الفئة الساعية نحو إضفاء المزيد من الدراما على فن المانغا من بينهم (شيراتو سانبي) و(ميزوكي شيجيرو) و(تشيبا تتسويا) وسرعان ما صارت المانغا كعمل درامي هي النوع السائد على الساحة، مطلقة روح العبقرية لدى فنانين آخرين أمثال (أوتومو كاتسوهيرو) و(شيرو ماساموني).
وإزاء كل هذه الدراما والأكشن، ظهرت في المقابل نماذج المعالجة السيكولوجية للشخصيات لتحقق بعض التوازن، كان ذلك في قصص مانغا الفتيات (شوجو) في فترة السبعينات بفضل الأيدي الماهرة لفنانين كـ (هاجيو موتو) و(تاكيميا كئيكو) لكن هناك من كرس موهبته في هذا المجال وحول مانغا الفتيات إلى نوع له أهمية كبيرة في اليابان، ونخص من بينهم (إيكيدا ريوكو) و(ميوتشي سوزوئي).
وتعتبر اليابان اليوم قوة حيوية في مجال صناعة المانغا، والكثير جدا من أعمالها يقرأها الناس في الخارج، ومن أشهر هذه الأعمال (سايلر مون) و(دراغون بول) و(سلام دانك) و(ناروتو) و(نانا). ومازالت أفلام الرسوم المتحركة اليابانية أيضا تثير الضجة والنقاش في الخارج. وقد انطلقت ثقافة الأنيمي في اليابان منتصف الستينات مكتسبة طاقتها وحيويتها من الشعبية المتزايدة للمانغا. فكثير من تلك القصص اكتسبت حياة جديدة بتحولها إلى أنيمي.