لوسي مود مونتغمري : ومثل الزهور تنبت الكلمات
الكاتبة الرومنسية التي أهدت فتيات العالم أملا في المستقبل
لم تكن لوسي مونتغمري وهي تخط سطور أولى رواياتها في البراري الخضراء وتغمر قلب بطلتها (آن) بالكثير من صفاتها الشخصية تدري أنها تقدم للعالم واحدة من أكثر الشخصيات جاذبية على الإطلاق، وترسم لبلدتها الصغيرة في شمال كندا موقعا واضحا على خريطة العالم الأدبي.
بعد أن فقدت والدتها منذ سن مبكر، نشأت المؤلفة الكندية لوسي مود مونتغمري (1874-1942) منعزلة في بيت جدتها بجزيرة الأمير إدوارد، فكانت تحارب وحدتها بابتكار شخصيات وعوالم خيالية تركت أثرا واضحا في تطوير إبداعها. «كانت لدي أحلام كبيرة وإحساس بشهرة قادمة، وفي أعماقي تحت كل الإحباط والرفض، كنت أعرف أنني سأصل يوما ما» تقول في مذكراتها.
بانتهاء المرحلة الثانوية، تابعت لوسي دراستها للأدب في الجامعة مع اشتغالها بالتدريس في منطقتها، ورغم أنها لم تستمتع بذلك إلا أنها وجدته عملا مناسبا أتاح لها وقت فراغ يكفيها لممارسة هواية الكتابة، وقد وجدت في الصحف المحلية مساحة لنشر قصائدها ومقالاتها وقصصها القصيرة.
عام 1908 وفي سن الـ 34 نشرت لوسي كتابها الأول Anne of Green Gables مستلهمة فكرته من قصاصة خبر طالعته في جريدة محلية عن أسرة تبنت صبية بدلا من صبي على سبيل الخطأ. وأضافت إليها الكثير من ألوان الخيال ونكهات الرومنسية المقتبسة من حياتها الخاصة لتصنع منها رواية جذابة حققت نجاحا فوريا، فبحلول نوفمبر 1909، كان الكتاب قد طبع بالفعل ست مرات، ومع كل طبعة جديدة كان صيت مونتغومري يمتد أبعد من جزيرتها الريفية، ويفتح لها بوابة درب طويل في التأليف الأدبي. وبعد ثلاث سنوات من رواج الجزء الأول من رواية (البراري الخضراء) تعلقت لوسي بشخصية (آن شيرلي) فأصدرت ثمان روايات أخرى تابعت عبرها الحياة الخاصة لبطلتها الرقيقة بعد اشتغالها معلمة بمدرسة البلدة، وارتباطها بصديق الطفولة جيلبرت، وانتقالها لتحقيق حلم إكمال دراستها الجامعية.
«لم يتخيل أحد على الإطلاق أن هذه البقعة النائية في جزيرة الأمير إدوارد يمكن أن تنجب كاتبة تتصدر قصصها الثلاث الأولى قائمة (أفضل المبيعات). فهنا ولدت (Anne) من خيال معلمة بسيطة كانت من دون شك متفاجئة مثل الجميع عندما وجدت أن حكايتها الطفولية حققت نجاحا أدبيا ملفتا للانتباه». يورد مقال صحفي في جريدة بوسطن.
ودون أن تخرج عن سياج عالمها المفضل، ألفت مونتغومري روايات أخرى تفيض بمشاعر الفتيات وأحلامهن، فكتبت عن إيميلي ستار التي تشاركها حلم الكتابة وسارا ستانلي كنسخة مثالية من مراهقتها، وباث كاردينر الناضجة التي بدأت تستكشف الجانب المعتم من الحياة. «أعطيت آن خيالي وإيميلي موهبتي، لكن الفتاة الأقرب لروحي من أي شخصية أخرى كانت هي باث».
غير أن المرأة التي منحت فتيات العالم الكثير من الأمل في المستقبل كانت في أغلب أيامها غير سعيدة، فقد عانت فترات متناوبة من الاكتئاب أثناء محاولتها التعامل مع واجبات الزواج والأمومة والحياة الكنسية، ودخولها في محاكمات طويلة مع شركة LC Page & Company بسبب خلافات حول حقوق التأليف. ووسط دوامة الحياة المرهقة، ظلت الكتابة دائما ملجئها الآمن وعزائها الوحيد، لم تكسر قلمها ولم تغير أسلوبها رغم أن الكثير من النقاد اعتبروها مجرد كاتبة خواطر للفتيات الصغيرات. بل واصلت نضالها من أجل الأدب والسلم وحقوق النساء، مستحقة عن جدارة كل التقدير الذي نالته في حياتها إذ تم تعيينها زميلة بالجمعية الملكية للفنون ووشحت بوسام الإمبراطورية البريطانية، وكل التكريم الذي أهدي لروحها بعد وفاتها حين اعتبرت شخصية ذات أهمية تاريخية وطنية، ومازال الكثير من السياح يحجون إلى تلك البلدة الفيكتورية ذات البراري الخضراء التي جعلتها مسرحا لقصص تفيض بالألوان والأحلام.